الختمة الرمضانية المشتركة
بسم الله الرحمن
الرحيم
السؤال
ما حكم مثل هذا الموضوع المنتشر في بعض المنتديات وهو كالتالي :
بعنوان الختمة الرمضانية المشتركة... وذلك بأن يشترك الأعضاء بختم القران ، حيث
يقرأ كل عضو جزءا أو جزأين و بنيه خالصة لوجه الله ، ونص الموضوع كالتالي : الختمة
الرمضانية المشتركة ، كل عضو سيشارك معنا في الختمة الرمضانية يقوم بكتابه اسمه في
هذي الصفحة .. يكون مسؤؤل عن قراءة جزء واحد من القرآن الكريم ... فالقرآن الكريم
يحتوي على 30 جزء .. كل عضو يحدد الجزء الذي سيقرؤه .. وبكل أمانة ونية صادقة يقرأ
هذا الجزء .. وعندما ينتهي من قراءته يقوم بكتابة : "لقد أتممت قراءة الجزء
المخصص لي بنية خالصة لوجه لله تعالى".. وهكذا سنكون قد اشتركنا جميعا أعضاء
(..... ) بختمة قرآنية لوجه الله .. لعلها تغفر لنا يوم القيامة ... الختمة الأولى
" ستكون في الفترة من 1- 10 رمضان" الختمة الثانية "ستكون في
الفترة من 11-20 رمضان" الختمة الثالثة " ستكون في الفترة من 21- 29
رمضان" أتمنى من كل عضو راغب في المشاركة كتابته اسمه و الجزء الذي سيقوم
بقراءته ، وأن يلتزم بالقراءة .. ودعاء ختم القرآن سيكون باسم منتدى (.........) و
كل أعضائه !!
نص الجواب
الحمد لله
أولا :
ليعلم أن قراءة
القرآن عبادة من أجل العبادات لله تعالى ، فالقرآن كلام الله تعالى أشرف الكلام ،
وهو أفضل الذكر ، وأعظم ما يقرؤه العبد أو يسمعه .
عن فروة بن نوفل قال :
كنت جارا لخباب رضي الله عنه ، فخرجنا معه يوما إلى الجمعة فأخذ بيدي فقال : ( يا هناه ؛ تقرب إلى
الله ما استطعت ، فإنك لن تقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه ) . رواه الدارمي في الرد على الجهمية (رقم/310) ، وعبد الله بن أحمد
في السنة (رقم/96) ، والحاكم في المستدرك (رقم/3652) وصحح إسناده ، وأقره الذهبي .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" واعلم أن المذهب المختار
الذي عليه من يعتمد عليه من العلماء : أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل
وغيرهما من الأذكار ، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك " انتهى.
"التبيان في آداب حملة القرآن" (45) .
وتتأكد فضيلة هذه
العبادة في شهر رمضان ، فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن ، ولذا أطبق السلف على
العناية بالقرآن في هذا الشهر أزيد من باقي الشهور .
ينظر : "لطائف
المعارف" ، لابن رجب رحمه الله (315-324) .
ثانيا :
تلاوة القرآن عبادة ،
كغيرها من العبادات ، يرد الأمر فيها إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في
شأنها ، وما مضى عليه أصحابه والتابعون لهم بإحسان . وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) رواه
مسلم (1718) .
قال الإمام النووي
رحمه الله :
" وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام ,
وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح
فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات ...
وَهَذَا الْحَدِيث
مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة
الِاسْتِدْلَال بِهِ " .
"شرح صحيح مسلم" (12/6) مختصرا .
ثالثا :
الصورة الواردة في
السؤال في تلاوة القرآن : لا شك أنها صورة مبتدعة ، فلم يرد مثل ذلك عن النبي صلى
الله عليه وسلم ، ولا أصحابه ، ولا عن السلف الصالح بعدهم .
وليست هذه من
المستجدات ، التي ينظر إليها في ضوء أصول الشرع ، لأن مثل هذه الصورة كانت ممكنة
في أيامهم : أن يتواصى بعضهم بنفس الطريقة ، إما مباشرة ، وإما عن طريق المراسلة ،
أو نحو ذلك ، ولو كان مثل ذلك خيرا لسبقونا إليه .
وليعلم أن الصورة المشروعة في القراءة الجماعية : أن يجتمع القارئون في
مكان واحد ، وأفضله المسجد ، فربما قرأ كل منهم لنفسه ، أو يقرأ أحدهم ويستمع
الآخرون ، أو يقرأ كل منهم ما تيسر له ، ثم يكمل الثاني من حيث انتهى الأول ، وهو
المعروف عند العلماء : بالإدارة ؛ يعني : أن تدور النوبة على كل منهم بالقراءة ،
فتحصل القراءة من القارئ ، وأما من لم يقرأ فإنه يشاركه باستماع قراءته ، وكل من
القراءة والسماع : عبادة مطلوبة ، دلت النصوص على مشروعيتها .
ينظر : "التبيان في آداب حملة القرآن" ، للإمام النووي رحمه
الله (119-122) .
وأما العمل الوارد في
السؤال : فما علاقة باقي المجموعة بما يقرؤه أو يفعله أحدهم ، إذا كان غائبا عنهم
، فلا يرونه ، ولا يشاركونه قراءته ، ولا يستمعون منه ؟!!
وهل من المقبول أن
يتفق جماعة على أن يصلي كل واحد ركعتين من التراويح ـ مثلا ـ ، فيكونوا قد صلوا
التراويح . أو يصوم كل واحد يوما ، فيكونوا قد صاموا الشهر ؟!
وقد قال الله تعالى : ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى
* وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) النجم/36-39 .
قال الشيخ السعدي
رحمه الله :
" أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم
شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا " . انتهى . "تفسير السعدي" (821) .
ولا شك أن هذه الصورة
المبتدعة للقراءة الجماعية : سوف يكون لها تأثيرها السلبي على قيام الأعضاء بهذه
العبادة على وجهها ، فمن يشارك في ذلك سوف ينصرف عن تلاوة القرآن ، والإكثار من
ختمه بنفسه ، توهما منه أن هذه الختمة تغنيه ، فإن لم ينصرف بالكلية : سوف تضعف
همته ، وتقل رغبته في ذلك .
ثم من أين لهؤلاء
الأعضاء أن يتموا ختمتهم "لوجه الله تعالى" ، كما زعموا ، بل من يقدر أن
يحكي ذلك عن نفسه ، ويشهد به ؟!
والخلاصة
:
أن هذه الصورة مبتدعة ، غير مشروعة
، تصرف القارئ عن الوارد المشروع في قراءة القرآن ، وتضعفه همته في التلاوة والختم
بنفسه .
***************
وليعلم أن الصورة
المشروعة في القراءة الجماعية : أن يجتمع القارئون في مكان واحد ، وأفضله المسجد ،
فربما قرأ كل منهم لنفسه ، أو يقرأ أحدهم ويستمع الآخرون ، أو يقرأ كل منهم ما
تيسر له ، ثم يكمل الثاني من حيث انتهى الأول ، وهو المعروف عند العلماء :
بالإدارة ؛ يعني : أن تدور النوبة على كل منهم بالقراءة ، فتحصل القراءة من القارئ
، وأما من لم يقرأ فإنه يشاركه باستماع قراءته ، وكل من القراءة والسماع : عبادة
مطلوبة ، دلت النصوص على مشروعيتها .
ينظر : "التبيان في
آداب حملة القرآن" ، للإمام النووي رحمه الله (119-122) .
تعليقات
إرسال تعليق